ليلة تحولت فيها البقرات إلى ماعز..برشلونة يؤدب نابولي
سيمفونية فيروزية قدمها برشلونة على أرض ملعب “مارادونا”، جعلتني للحظات أشعر أنه يواجه فريقًا من القسم الثاني في إسبانيا، ولكنه كان يواجه نابولي..سيد الجنوب، وعلى ملعبه، وقبل أن يتمكن مني الشعور بأنها ليلة موفقة ليس إلا، تذكرت أنها الليلة الخامسة وليست الأولى، بعد أتليتكو، إسبانيول، فالنسيا..ثم مُباراة الذهاب..لأقف مصفقًا لزرقاء اليمامة.
هل تريد أن أحدثك عن العمل التكتيكي؟، لا..الجميع سيتحدث عنه، فدعني أخبرك بما لن يخبروك به.
اليوم، “بوسكيتس” قدم 61 دقيقة من الطرب الكروي، كيف يتسلم، يُسلم، يدور، يراوغ، يغير الملعب، يُمرر بين خطوط الخصم..اليوم لم يحترم عقولنا كمتفرجين..لا أتذكر عدد الآهات التي انتزعها مني الرجل الذي لطالما هاجمته!.
“بيكيه” يسار الدفاع، سلاسة في الخروج بالكرة، تقدم محسوب للأمام، جميع الصراعات من “أوسيمان” فاز بها..هدف يُكرم به أداءه.
“ألبا” عاد لوقت أن كان يُلقب ب”الفيراري”، يُهاجم ويصنع، يضرب بتمريرات طولية قاتلة، يعود للدفاع، ثم يتقدم خلف “توريس” الذي يدخل للعمق ليترك له خط الملعب.
البقرات المقدسة اليوم تحولوا في ليلة مُقمرة إلى “ماعز”..G.O.A.T.
هؤلاء حرس برشلونة القديم..فماذا عن الجديد؟.
ما هي أفضل مُباراة ل”فرانكي دي يونغ” مع برشلونة؟، لا تفكر..مُباراة اليوم، اليوم شاهدت “دي يونغ” أياكس، حيويته، سرعته، مُعدلات ركضه، لمساته الأنيقة، تحركاته في المساحات الفارغة لفتح زوايا تمرير..هدفه، دوره في هدف “أوبا”..برشلونة تعاقد مع هذا اللاعب، ولم يتعاقد مع ما كنا نراه.
“بيدري”، سيد الوقوف على الكرة، احتفظ بها كثيرًا من وجهة نظرك، ولكن ألم تشعر أن هذه هي طلبات “تشافي”، عليه أن يقف على الكرة طويلاً ويراوغ ويحافظ على الرتم.
لا زلت فخورًا برأيي في “أداما” والذي قلت عنه في وقت سابق، هو أكثر لاعب يحتاجه برشلونة، وقتها هاجمني أصحاب الأرقام ولن أكون قاسيًا إذا ما قلت (عبيد الأحصائيات).
يا رجل، هذا اللاعب الذي يُريده أي مُدرب، في كل مرة يتسلم الكرة يصنع الفوضى في دفاعات الخصم، عرضيات حريرية، سرعة مُرعبة..مكينة لصناعة الأهداف يستغلها (تشافي) بشكل مثالي..صفقة الموسم لبرشلونة.
“أوبا” يفتقد لحساسية الملعب، ظروفه الصعبة مع أرسنال لا زالت تؤثر عليه، أقول هذا عن لاعب سجل هاتريك بالمُباراة الماضية وسجل اليوم، لكنه يحتاج للمزيد من الدقة، ولكن..أرجو منك في المُباراة القادمة أن تتابع تحركاته..كيف ينسل خلف الدفاع ليطلب الكرة في وضعية تضعه مُباشرة أمام المرمى..كيف يعود للخلف ليُشارك في خروج الكرة.
وجوده اضاف الكثير لمنظومة “تشافي” الهجومية، جعل الفريق اسرع..وأكثر قدرة على الصعود بالكرة بأمان.
تركت “فيران” للنهاية، وأريدك أن تقرأ جيدًا، هذا اللاعب سيكون له شأنًا كبير في برشلونة، لماذا؟.
“فيران توريس” هو أذكى لاعب في برشلونة فيما يتعلق بالتحرك بدون كرة، يعرف جيدًا متى يدخل للعمق ليفتح المساحة أمام الظهير على الخط، يعرف متى يدخل الصندوق كمُهاجم ثاني، يعرف متى يعود ليُدافع ومتى يقف في الوسط ليتلقى الكرة..متى يُمرر ومتى يراوغ.
اليوم كان من رجال المُباراة ولكن، ستقول يُهدر الكثير من الفرص، وسأقول لك معك كل الحق، ولكن..الفرص التي تأتي ل”فيران” تأتي بسبب تحركاته العبقرية وليس لأنها يجب أن تأتي للاعب في مركزه!.
الجملة صعبة؟، ببساطة، الكرة تأتي له في هذا المكان الخطير والذي يجعلها فرصة مُحققة لأنه تحرك ووقف في هذه المساحة دون غيرها رغم أن مُعظم من هم في مركزه لن يتواجدوا في هذه الأماكن.
وبالتالي، سأقول لك أغرب ما ستقرأه يومًا لكني أطالبك أن تتذكره مستقبلاً، أنا سعيد لأنه يُهدر الفرص الآن، لأن هذا العيب يُمكن أن يتم حله مع زيادة الثقة والتمرينات التخصصية، بينما سأكون غاضبًا منه إذا لم يتواجد في أماكن هذه الفرص..وقتها لن تلومه..ولكن وقتها..لن يكون مؤثراً.
أثق في نجاح هذا اللاعب مع برشلونة..وأضع عليه كامل رهاني.
لم أنتهي بعد، الآن دور “تشافي”.
متى كانت أخر مرة رأيت برشلونة يلعب بأسلوب الضغط المتقدم؟، ومتى رأيت لاعب من برشلونة يستلم الكرة وسط 3-4 لاعبين ويدور بهم بسهولة ثم يمرر تمريرة سليمة؟..علمًا أنه ليس لاعبًا بعينه..بل 10 لاعبين!.
متى رأيت أسلوب التحرك بدون كرة لخلق زاوية تمرير للزميل تضع الفريق بشكل كامل في حالة هجومية ممتازة لعكس اللعب؟.
أنا رأيت كل هذا في أخر 5 مُباريات لبرشلونة، مما يعني أنها ليست طفرة، بل نتيجة عمل كبير من المُدرب.
اليوم أيضًا، رأيت حنكة إدارية للمُباراة، برشلونة بالشوط الثاني لم يضغط بشكل متقدم بل أكتفى بالضغط المتوسط، رأيت خروج “بوسكيتس” في الدقيقة 61 بعد أن فرغ مخزونة البدني، رأيت الحفاظ على “توريس” داخل الملعب لأطول فترة -يحتاج لهذا نفسيًا-، رأيت عملية تدوير للحفاظ على المجهود للدوري بعد حسم التأهل..”تشافي” يتطور على الخط كما يتطور فريقه داخله.
في يوم من الأيام دخل “جوارديولا” مكتب “يوهان كرويف” وقال له: “لا أريد رونالدينيو وديكو بالفريق”، فرد العراب: “أذهب، ستخسر مُبارتين ثم تتأقلم”.
“كرويف” قرأ في عيون “بيب” رغبته في تطوير الفريق ولكن خوفه من الخسارة بفقدان أهم نجومه..فكان رهان “كرويف” أن المنظومة قادرة على تعويض غياب النجوم.
واليوم أقولها بكل صراحة، صفقة التعاقد مع “تشافي” هي الصفقة الوحيدة القادرة على تعويض رحيل “ليونيل ميسي”.